المواضيع حسب "مقالات إسلامية"

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات إسلامية. إظهار كافة الرسائل

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد، من رَغَّبَ بالعَملِ للجنانِ، وحذر من سلوك الطريق الموصل للنيرانِ. وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين. يقول الله تبارك وتعالى ﴿ مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدوُاْ اللهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنهُم مَّنْ يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبدِيلاً ﴾ [سورة الأحزاب آية 23]. من هؤلاء الأبطال الأفذاد الصادقين الموفين بعهودهم الصابرين الذين أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وخافوا من الله حق الخوف وزكوا أنفسهم حتى صارت نفوسًا مطمئنة، رجل أحب الجهاد في سبيل الله حتى دخل شغاف قلبه، شغفه حبًا، ولكن مات على فراشه ولم يمت في أرض المعركة، إنه سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه وجزاه عن الإسلام خير الجزاء.

قصة إسلام خالد بن الوليد:

حَدَّثَ سيدنا خالد عن مسيره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة ليأخذ دوره في قافلة المؤمنين فقال: ووددت لو أجد من أُصاحِبُ، فلقيت عثمان بن طلحة، فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة، وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرًا، فلما كنا بالسهل إذا عمرو بن العاص، فقال مرحبًا بالقوم، قلنا: وبك، قال: أين مسيركم؟ فأخبرناه، وأخبرنا أيضًا أنه يريد النبي ليسلم، فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان. فلما طلعت على رسول الله سلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق. فأسلمت وشهدت شهادة الحق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير ». وبايعت رسول الله وقلت: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صد عن سبيل الله، فقال: « إنَّ الإسلامَ يَجُبُ مَا قَبْلَهُ ». قُلْتُ: يا رسول الله على ذلك فقال: اللَّهُمَّ اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك، قال: وتقدم عمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، فأسلما وبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

خالد بن الوليد سَيفُ اللهِ المسلول في غزوة مؤتة:

عن إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت قال: لما كان يوم مؤتة وقتل الأمراء أخذ اللواء ثابت بن أقرم وجعل يصيح: يا للأنصار، فجعل الناس يثوبون إليه، فنظر إلى خالد بن الوليد، فقال خذ اللواء يا أبا سليمان، فقال لا ءاخذه، أنت أحق به، لك سن وقد شهدت بدرا، فقال ثابت: خذه أيها الرجل فوالله ما أخذته إلا لك، وقال ثابت للناس: اصطلحتم على خالد؟ قالوا: نعم، فحمل اللواء وحمل بأصحابه ففض جمعًا من جمع المشركين. ولي سيدنا خالد أمره الجيش، بعد أن كان وضع المعركة أصبح واضحًا فضحايا المسلمين كثيرون، وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح، جرار، ولكن صاحب القلب الشجاع والبصيرة النافذة، رمق أرض المعركة الواسعة بعينين كعيني الصقر وأدار الخطة العسكرية في بديهته بسرعة مذهلة، فقسم جيشه، والقتال دائر، إلى مجموعات، ثم وكل إلى كل مجموعة مهامها وراح يستعمل فنه العجيب ودهاءه البليغ حتى خرج بجيش المسلمين سليمًا معافى. وفي هذه الغزوة أنعم الرسول صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد بهذا اللقب العظيم سيف من سيوف الله.

خالد بن الوليد في فتح مكة:

تنكث قريش عهدها مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم فيتحرك المسلمون تحت قيادته لفتح مكة، وعلى الجناح الأيمن من الجيش يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد أميرًا، ويدخل خالد مكة واحدا من قادة الجيش المسلم، بعد أن شهدته سهولها وجبالها قائدًا من قواد جيش الوثنية والشرك زمنًا طويلاً، وينتفض تحت روعة المشهد وجلاله، مشهد المستضعفين الذين لا تزال جسومهم تحمل ءاثار التعذيب والتنكيل، يعودون إلى البلد الذي أخرجوا منه بغيًا وعدوانًا، يعودون إليه على صهوات جيادهم، وتحت رايات الإسلام الخفاقة. ويشهد سيدنا خالد هذا الفتح العظيم المبارك وهو بطل من أبطاله.

خالد بن الوليد في حروب الردة:

بعد أن توفي الرسول عليه الصلاة والسلام وحمل أبو بكر رضي الله عنه مسؤولية الخلافة، هبت أعاصير الردة ونشبت نيران الفتنة في قبائل أسد غطفان وعبس وطيء وذبيان، ثم في قبائل بني عامر وهوازن وسليم وبني تميم وصارت جيوشًا جرارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين، وواجه الإسلام محنة خطيرة، ولكن كان هناك أفضل أولياء أهل الأرض من البشر بعد الأنبياء سيدنا أبو بكر رضي الله عنه الذي عبأ المسلمين وقادهم إلى حيث كانت قبائل بني عبس وبني مرة وذبيان قد خرجوا في جيش كبير، وانتصر المسلمون.
ثم إلى معركة ثانية يكون فيها سيدنا خالد بن الوليد أمير لواء، وقد قال له سيدنا أبو بكر: سمعت رسول الله يقول: « نعم عبد الله، وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله، سله الله على الكافرين والمنافقين »، ومضى خالد إلى سبيله ينتقل بجيشه من معركة إلى معركة ومن نصر إلى نصر حتى كانت المعركة الفاصلة « باليمامة » حيث كان بنو حنيفة ومن انحاز إليهم من القبائل قد جيشوا أخطر جيوش الردة قاطبة يقودها مسيلمة الكذاب، وقد جاء الأمر من سيدنا أبي بكر الصديق للقائد البطل خالد بن الوليد أن سِرْ إليهم، وسار سيدنا خالد ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد في الطريق إليه حتى أعاد تنظيم جيشه ليكون خصمًا رهيبًا وخطرًا حقيقيًا ضد جيوش الحق.
ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة، وأقبل مسيلمة في خيلائه وبغيه وبصفوف جيشه الكثير العدد، وسلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه، والتحم الجيشان ودار قتال وسقط العديد من المسلمين شهداء، ثم أبصر خالد رجحان كفة الأعداء فاعتلى بجواده ربوة قريبة ونظر إلى سير المعركة وصار ينادي فيالق جيشه وأجنحته، ثم صاح بصوته: امتازوا لنرى اليوم بلاء كل حي. فمضى المهاجرون تحت رايتهم والأنصار تحت رايتهم، واشتعلت الأنفس حماسة، وامتلأت عزمًا، وخالد يرسل بين الحين والحين تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقي بها أمرا، وفي دقائق معدودة تحول اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات، وقتل مسيلمة الكذاب وملأت جثث رجاله وجيشه أرض القتال، وطويت راية الكذاب تحت التراب.
ثم أرسل أبو بكر الصديق توجيهاته إلى خالد بن الوليد أن يمضي بجيشه نحو العراق. ولقد استهل عمله في العراق بكتب أرسلها إلى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه جاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم: من خالد بن الوليد … إلى مرازبة فارس….سلام على من اتبع الهدى… أما بعد، فالحمد لله الذي فض خدمكم، وسلب ملككم، ووهن كيدكم…فوالذي لا إله غيره لأبعثنَ إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة.
وجاءت طلائعه التي بثها في كل مكان بأنباء الزحوف الكثيرة التي يعدها له قواد الفرس في العراق، فلم يضيع وقته فاستولى بسرعة كبيرة على الأبلة، والسدير، والنجف، والحيرة، فالأنبار، فالكاظمية، مواكب نصر تتبعها مواكب ترتفع فيها رايات الإسلام. وسار بجيشه الظافر يصحبه النصر حتى وقف على تخوم الشام لمحاربة الروم.

خالد بن الوليد في معركة اليرموك:

وجند الخليفة الصديق لهذه الغاية جيوشًا عديدة واختار لإمارتها نفرا من القادة المهرة، فأرسل أبا عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان.
وأعد الروم للقتال جيشًا قوامه مائتان وأربعون ألفًا. في هذه الأثناء أرسل سيدنا أبو بكر إلى خالد بن الوليد ليأتي إلى الشام فامتثل سيدنا خالد وأطاع وترك على العراق « المثنى بن حارثة » وسار مع قواته التي اختارها حتى وصل مواقع المسلمين بأرض الشام، ونظم الجيش ونسق مواقعه في وقت وجيز، ووقف سيدنا خالد خطيبًا فحمد ربه وأثنى عليه وقال: إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم.
وقد دار قتال ليس لضراوته نظير كما قيل، وأقبل الروم في فيالق كالجبال، وبدا لهم من المسلمين ما لم يكونوا يحتسبون، وأبدى المسلمون شجاعة تبهر الألباب، وأقترب أحدهم من أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه والقتال دائر، وقال له: إني قد عزمت على الشهادة، فهل لك من حاجة من رسول الله حين ألقاه، فقال له أبو عبيدة: نعم قل له: يا رسول الله إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، ويندفع الرجل كالسهم المقذوف يضرب بسيفه، ويضرب بالسيوف حتى يرتفع شهيدا وكان هذا عكرمة ابن أبي جهل. وخرج سيدنا خالد بن الوليد مع مائة من الأبطال الأفذاذ ينقضون على ميسرة جيش الروم وعددها أربعون ألف جندي، وخالد يصيح في المائة الذين معه: والذي نفسي بيده ما بقي من الروم من الصبر والجلد إلا ما رأيتم وإني لأرجو من الله أن يمنحكم أكتافهم.

خالد بن الوليد وأحد أمراء الروم:

يروى أن أحد أمراء جيش الروم ويدعى «جرجة بن بوذيها» خرج من الصف واستدعى « خالد بن الوليد» رضي الله عنه للمبارزة فجاء إليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال جرجة: يا خالد أخبرني فاصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع، هل أنزل الله على نبيكم سيفًا من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم؟ قال: لا! قال: فبم سميت سيف الله؟ قال: إن الله بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعا، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا كذبه وباعده، فكنت فيمن كذبه وباعده، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنت سيف من سيوف الله سله على المشركين » ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله بذلك فأنا من أشد المسلمين على الكافرين.
فقال: يا خالد إلى ما تدعون ؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل. قال: فمن لم يجبكم؟ قال: فالجزية، قال: فإن لم يعطها، قال نؤذنه بالحرب ثم نقاتله. قال: فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم ؟ قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا. قال جرجة: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر والذخر؟ قال: نعم. قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟ فقال خالد: إنا قبلنا هذا الأمر وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان له فضل كبير.
فقال جرجة: بالله لقد صدقتني ولم تخادعني؟ قال: تالله لقد صدقتك وإن الله ولي ما سألت عنه، فعند ذلك قلب جرجة الترس ومال مع خالد وقال: علمني الإسلام، فقال له خالد: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فتشهد جرجة ودخل في دين الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه فصب عليه قربة من ماء ثم صلى به ركعتين. ثم زحف خالد بالمسلمين حتى تصافحوا بالسيوف فضرب فيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب وأصيب جرجة رحمه الله واستشهد ولم يصل لله إلا تلك الركعتين مع خالد رضي الله عنهما.

أثر شعرات النبي في قوة خالد بن الوليد:

كان لسيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه قلنسوة وضع في طيها شعرًا من ناصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مقدم رأسه لما حلق في عمرة الجعرانة، وهي أرض بعد مكة إلى جهة الطائف، فكان يلبسها يتبرك بها في غزواته. وعنه أنه قال: « اعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة اعتمرها فحلق شعره، فسبقت إلى الناصية، فاتخذت قلنسوة فجعلتها في مقدمة القلنسوة، فما وجهت في وجه إلا فتح لي ».

وفاة خالد بن الوليد رضي الله عنه:

دخل عليه أبو الدرداء يزوره بسبب مرضه فقال له سيدنا خالد: « إن خيلي وسلاحي على ما جعلته عليه في سبيل الله عز وجل. وداري بالمدينة صدقة، قد كنت أشهدت عليها عمر بن الخطاب، ونعم العون هو على الإسلام، وقد جعلت وصيتي وإنفاذ عهدي إلى عمر ».
فقدم أبو الدرداء بالوصية على سيدنا عمر فقبلها وترحم عليه، ومات البطل العظيم خالد بن الوليد سنة إحدى وعشرين، وحكى من غسله أنه ما كان في جسمه موضع صحيح من بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم.
وقيل لقد قال كلمات عند موته: لقد لقيت كذا وكذا زحفًا وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعن برمح وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي فلا نامت أعين الجبناء.
رضي الله عن سيدنا خالد بن الوليد ورحمه وأسكنه الفراديس العلى. وصلى الله وسلم على من رباه وأدبه وعلمه وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين. والحمد لله أولا وءاخرًا.

الخير والشر معان كامنة تعرف بسمات دالة

إعلم أن الخير والشر معان كامنة تعرف بسمات دالة كما قال سلم بن عمرو الشاعر: " لا تسأل المرء عن خلائقه  في وجهه شاهد من الخبر "
فسمة الخير: الدعة والحياء, ،  وسمة الشر: القحة والبذاء, وكفى بالحياء خيرا أن على الخير دليلا, وكفى بالقحة والبذاء شراً أن يكونا إلى الشر سبيلا, وقد روى حسان بن عطية عن أبي إمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحياء والعي شعبتان من الأيمان, والبذاء والبيان شعبتان من النفاق " أخرجه أحمد والترمذي والحاكم.
ويقصد بالعي: سكون اللسان تحرزاً عن الوقوع في البهتان, والبذاء: ضد الحياء وهو فحش الكلام, والبيان: فصاحة اللسان والمراد به هنا ما يكون فيه أثما من الفصاحة كهجو أو مدح بغير حق, ويشبه أن يكون العي في معنى الصمت, والبيان في معنى التشدق, كما جاء في حديث آخر: " إن أبغضكم إلى الله الثرثارون المتفيهقون المتشدقون ", وروى أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحياء من الأيمان والأيمان في الجنة, والبذاء من الجفاء والجفاء في النار " في معجم الطبراني, سنن البيهقي, وأخرجه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح, وأخرجه البخاري في الأدب عن أبي بكرة.
الحياء من الأيمان
المسلم عفيف والحياء خلق له, والحياء من الأيمان والأيمان عقيدة المسلم وقوام حياته فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الأيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الأيمان" رواه البخاري ومسلم, وسر كون الحياء من الأيمان أن كلا منهما داع إلى الخير صارف عن الشر مُبعد عنه, فالأيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي, والحياء يمنع صاحبه من التقصير في الشكر للمنعم ومن التفريط في حق ذي الحق كما يمنع الحيي من فعل القبيح أو قواه اتقاء للزم والملامة, ومن هنا كان الحياء خيراًَ, ولا يأتي إلا بخير كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله " الحياء لا يأتي إلا بخير " رواه البخاري ومسلم عن عمران بن حصين.

 أقوال في الحياء

قال بعض الحكماء: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.
قال بعض البلغاء: حياة الوجه بحيائه كما أن حياة الغرس بمائه.
قال بعض البلغاء العلماء: يا عجباَ! كيف لا تستحي من كثرة ما لا تستحي, وتتقي من طول مالا تتقي ؟! وقال صالح بن عبد القدوس: إذا قل ماء الوجه قل حياؤه ولا خير في وجه إذا قل ماؤه حياءك فاحفظه عليك وإنما
يدل على فعل الكريم حياؤه  قال الجنيد رحمه الله: الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء, وحقيقته خلق يبعث على ترك القبائح وبمنع من التفريط في حق صاحب الحق.
ومن كلام بعض الحكماء: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحى منه, وعمارة القلب: بالهيبة والحياء فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير.
قال الفضيل بن عياض: خمس علامات من الشقوة: القسوة في القلب, وجمود العين, وقلة الحياء, والرغبة في الدنيا, وطول الأمل. وقال يحيى بن معاذ: من استحيا من الله مطيعا استحيا الله منه وهو مذنب.
وكان يحي بن معاذ يقول: سبحان من يذنب عبده ويستحي هو.

ومن الآثار الإلهية:

يقول الله عز وجل:""ابن آدم.. إنك ما استحييت مني أنسيت الناس عيوبك.. وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك.. ومحوت من أم الكتاب زلاتك.. وإلا ناقشتك الحساب يوم القيامة ""
ويقول الله عز وجل: "" ما أنصفني عبدي.. يدعوني فأستحي أن أرده ويعصيني ولا يستحي مني""

الحرص على الحياء والدعوة إليه

المسلم إذ يدعو إلى المحافظة على خلق الحياء في الناس وتنميته فيهم إنما يدعو إلى خير ويُرشد إلى بر؛ إذ الحياء من الأيمان والأيمان مجمع كل الفضائل وعنصر كل الخيرات, وفي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الأيمان ", فدعا بذلك إلى الإبقاء على الحياء في المسلم ونهى عن إزالته ولو منع صاحبه من استيفاء بعض حقوقه, إذ ضياع بعض حقوق المرء خير له من أن يفقد الحياء الذي هو جزء أيمانه وميزة إنسانيته ومعين خيرته, ورحم الله امرأة كانت قد فقدت طفلها فوقفت على قوم تسألهم عن طفلها, فقال أحدهم تسأل عن ولدها وهي منتقبة فسمعته فقالت: لأن أرزأ في ولدي خير لي من أرزأ في حيائي أيها الرجل.

 ما لا يمنعه الحياء

 خلق الحياء في المسلم غير مانع له أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منـكر.
فقد شفع مرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه فلم يمنع الحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لأسامة في غضب: " أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة والله لو سرقت فلانة لقطعت يدها ".
ولم يمنع الحياء أم سليم الأنصارية أن تقول يا رسول الله: إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هب احتلمت ؟ فيقول لها رسول الله _ ولم يمنعه الحياء _ " نعم إذا رأت الماء".
خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرة فعرض لغلاء المهور فقالت له امرأة أيعطينا الله وتمنعنا يا عمر ألم يقل الله (... وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاُ...), فلم يمنعها الحياء أن تدافع عن حق نسائها, ولم يمنع عمر أن يقول معتذرا: كل الناس أفقه منك يا عمر
قال:مرة في المسلمين وعليه ثوبان فأمر بالسمع والطاعة فنطق أحد المسلمين قائلاً: فلا سمع ولا طاعة يا عمر عليك ثوبان وعلينا ثوب واحد, فنادى عمر بأعلى صوته: يا عبد الله ابن عمر فأجابه ولده: لبيك أبتاه فقال له: أنشدك الله أليس أحد ثوبي هو ثوبك أعطيتنيه ؟ قال : بلى والله , فقال الرجل : الآن نسمع ونطيع , فانظر كيف لم يمنع الحياء الرجل أن يقول , ولا عمر أن يعترف

 معنى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت

روى شعبة عن منصور بن ربعي عن أبي منصور البدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: يا ابن آدم إذا لم تستحي فاصنع ما شئت "
وليس هذا القول إغراء بفعل المعاصي عن قلة الحياء كما توهمه بعض من جهل معاني الكلام ومواضعات الخطاب, وفي مثل هذا الخبر قول الشاعر:
إذا لم تخـشى عاقبـة الليالي
ولم تستحي فاصنع ما تشـاء
فلا والله ما في العيش خيـر
ولا الدنيا إذا ذهـب الحيـاء
يعيش المرء ما استحيا بخير

يبقى العود ما بقي اللحـاء

واختلف أهل العلم في معنى هذا الخبر:
§ فقال أبوبكر بن محمد الشاشي في أصول الفقه: - معنى هذا الحديث أن من لم يستحي دعاه ترك الحياء إلى أن يعمل ما يشاء لا يردعه عنه رادع, فليستحي المرء فإن الحياء يردعه.
§ وقال أبو بكر الرازي من أصحاب أبي حنيفة أن المعنى فيه إذا عُرضت عليك أفعالك التي هممت بفعلها فلم تستحي منها لحسنها وجمالها فاصنع ما شئت منها فجعل الحياء حكماً على أفعاله وكلا القولين حسن والأول أشبه لأن الكلام خرج عن النبي صلى الله عليه وسلم مخرج الذم لا مخرج المدح, ولكن قد جاء حديث بما يضاهي الثاني وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " ما أحببت أن تسمعه أذناك فائته وما كرهت أن تسمعه أذناك فاجتنبه "
 أنواع الحياء :
 قال أبو الحسن الماوردي في كتابه " أدب الدنيا والدين":-
الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه: أحدها: حياؤه من الله تعالى. والثاني : حياؤه من الناس . والثالث: حياؤه من نفسه.
فأما حياؤه من الله تعالى فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره... روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " استحيوا من الله عز وجل حق الحياء, فقيل يا رسول الله فكيف نستحي من الله عز وجل حق الحياء ؟ قال: من حفظ الرأس وما وعى, والبطن وما حوى, وترك زينة الحياة الدنيا, وذكر الموت والبلى: فقد استحيا من الله عز وجل حق الحياء " وهذا الحديث من أبلغ الوصايا.
ويقول أبو الحسن الماوردي عن نفسه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ذات ليلة, فقلت يا رسول الله, أوصني, فقال: استحي من الله عز وجل حق الحياء... ثم قال: تغير الناس. قلت: وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال: كنت أنظر إلى الصبي, فأرى من وجهه البشر والحياء, وأنا أنظر إليه اليوم, فلا أرى ذلك في وجهه.وأما حياؤه من الناس: فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح, وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من تقوى الله اتقاء الناس " وروى أن حذيفة بن اليمان أتى الجمعة فوجد الناس قد انصرفوا, فتنكب الطريق عن الناس, وقال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس.
وأما حياؤه من نفسه, فيكون بالعفة وصيانة الخلوات..
وقال بعض الحكماء: ليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من غيرك, وقال بعض الأدباء: من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية, فليس لنفسه عنده قدر.
المصادر والمراجع:
(1)  أدب الدنيا والدين لأبي الحسن الماوردي.
(2)  مدارج السالكين لابن القيم الجوزية.
(3)  منهاج المسلم لأبي بكر جابر الجزائري.

Author Name

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.